الثلاثاء، 8 نوفمبر 2011

رؤيا أينشتاين عن البقرات

رؤيا أينشتاين عن البقرات


يقول أينشتاين: " إن المفاهيم الفيزيائية هي النتاج الحر للفكر البشري ولا يمليها علينا العالم الخارجي كما يتراءى لنا. وفي سعينا لفهم العالم نشبه نوعاً ما الإنسان الذي يحاول فهم آلية ساعة مقفلة. إنه يرى وجه الساعة وعقاربها المتحركة ويسمع صوتها ولكنه لا يملك أية وسيلة لفتح غطائها. فإن كان بارعاً, يمكنه أن يرسم صورة معينة عن الآلية المسؤولة عن كل ما يلاحظه. لكنه لن يكون على يقين أبدًا من أن الصورة التي كونها هي الوحيدة القادرة على تفسير ملاحظاته. ولن يكون أبدًا قادرا على مقارنة صورته هذه مع الآلية الحقيقة ولن يمكنه حتى تصور إمكانية القيام بتلك المقارنة أو معناها. ولكنه يؤمن ولا ريب أنه كلما زادت معرفته ازدادت الصورة التي كونها عن الواقع بساطة على بساطة و اتسع نطاق شرحها لانطباعاته المحسوسة. وربما آمن أيضا بوجود حد مثالي للمعرفة يقترب منه الفكر البشري, وربما أطلق على هذا الحد المثالي اسم الحقيقة المجردة."

هذه القناعة لدى أينشتاين في رأيي أعطته القدرة والجرأة على تغيير كثير من مفاهيم الفيزياء التقليدية. وهذه القناعة هي ما يحتاجها الفيزيائيون الفلاسفة بشكل عام......

في يوم من أيام روما الظليلة وبينما أرخميدس في أحد حمامات روما الكبيرة, تخطر عليه فكرة الوزن النوعي للمواد فينطلق مبتهجا "وجدتها وجدتها!!!".... وقريب من ذلك ما حدث لنيوتن العالم الكبير.... وقصة التفاحة رسول الجاذبية الأرضية الشهيرة...... مما مضى لا يمكن إخفاء وجه المصادفة في ما نشوء بعض الأفكار العلمية أو الاكتشافات المادية..... وفي قصة البوصلة و الزجاج الرقائقي –مثل زجاج السيارة الأمامي- مزيد إيضاح لمساهمة عوامل إيحاء غير مباشرة دفعت بعض العلماء لإنجاز ما أنجزوا....


ولعلم العالم الفلسفي الفيزيائي الكبير أينشتاين لم يحرم من أسباب الإيحاء الغير مباشر إن جاز لنا القول.....
ولعل رؤيا رآها في مراهقته كانت لأينشتاين كما التفاحة لنيوتن وكما كان ماء الحمام لأرخميدس...

ففي الرؤيا كان أينشتاين يسير على طول نهر ينبع من قمم الجبال التي استبشرت بقدوم الربيع ليخلصها من الثلج الذي أثقل كاهلها طوال فصل الشتاء. كان الجو معتدلا والشمس للتو إستيقضت من نومها و آذنت الناس بيوم جديد. استمر أينشتاين في السير منحدرا نحو الحقول و قد رأى بوضوح أن تلك الحقول مقسمة ومسورة بسياج حديدي موصول بالكهرباء عن طريق بطارية معدة لذلك, لمنع الأبقار من تجاوز حقل صاحبها إلى من يجاوره. كانت البقر في المزرعة القريبة منه تقف على حد السياج وربما مدت رقبتها لتأكل من الحقل المجاور, كان واضحا أن غالبية البطاريات لم تكن تعمل.... مشى أينشتاين لطرف السياج حيث بقرات ثلاث مدت أعناقها من خلال السياج... وعندما وصل لطرف السياج ومد يده ليتحسسه عرف أن البطارية لم تكن تعمل....
بعد لحظات رأى أينشتاين مالك المزرعة يسير إلى طرف السياج الآخر حاملا بطارية كهربائية بدلا للقديمة...قام المزارع بإزاحة البطارية القديمة و وضع الجديدة محلها.... ثم أوصلها بالسياج لتقفز البقرات بعيدا عن السياج و قد تملكها الرعب والهلع.... ابتسم أينشتاين متعجبا من سرعة ردة فعلها... لقد وصل المزارع الكهرباء وفي نفس اللحظة قفزت البقرات جميعا في وقت واحد..... استمر أينشتاين في طريقة و أثناء مروره بجانب المزارع ألقى عليه التحية وقال له " إن لبقراتك ردة فعل ممتازة, وغير معتادة فلقد رأيتك تصل بطاريتك الجديدة لتقفز جميع بقراتك حالا وبدون إضاعة أي وقت".... بدا أن المزارع لم يكن يشارك أينشتاين هذا الإعجاب وقال له " هل قفزت جميعها في وقت واحد؟!!, أشكرك على إطرائك ولكن بقراتي لم تفعل ما قلت لقد كنت أنظر إليهن عندما أوصلت البطارية, إذ كنت آمل بإخافتها لكي تبتعد عن السياج.... ولقد استغرق الأمر بعض الوقت حتى تقفز البقرة الأولى ثم تبعتها الثانية ثم الثالثة هكذا"
لم يكن هذا يطابق ما رآه أينشتاين و دار في ذهنه للحظه أن المزارع يكذب....ولكن لماذا يكذب.. ثم إن اينشتاين كان متأكدا مما رأى لقد قفزت البقرات في وقت واحد.... آثر أينشتاين الصمت ومضى في طريقه يقاوم رغبة في داخله لتأنيب ذلك المزارع......

هذه الرؤيا الغريبة حدثت في سني مراهقة أينشتاين وبقيت هذه الرؤيا بلا تفسير لديه لعدة سنين. لكن بعد اتضاح بعض المفاهيم لديه عرف أينشتاين أن ما رآه كان فقط مبالغة لظاهرة تحدث في الواقع لكل شخص منا.


لنستعرض بعض المفاهيم التي توضح لنا كيف يمكن إيجاد مخرج من هذا الموقف المحرج بين الفلاح و أينشتاين.
نحن نعلم أن الصوت يسير بسرعة محددة ويمكن أن نورد بعض الأمثلة لتوضيح هذا الشيء فأنت عندما تقف على بعد ثلاثين مترا من حاجر كجبل أو جدار – بما أن الصوت يسير في الهواء بسرعة 30 متر/ثانيه- فسوف تسمع صدى صوتك بعد ثانيتين حيث يستغرق الصوت ثانيه واحده للاصطدام بالحاجز ثم ثانيه أخرى للعودة إليك لتسمعه.
في حالة الصدى الضوئي يكون الحال مختلفا قليلا حيث يجب أن يكون العاكس الضوئي –مرآة- على بعد 300000 ثلاثمائة ألف كيلومتر حتى يمكن أن تلاحظ الصدى الضوئي.... الضوء سيستغرق ثانيه واحده للوصول للمرآة وثانيه أخرى للعودة إليك.... سرعة الضوء 300000 كم/ثانيه.بسبب سرعة الضوء العالية لا نلاحظ ظاهره الصدى الضوئي.

لنعد الآن لتفسير حلم أينشتاين..... لنأخذ الأمور بتبسيط فنقول عندما يوصل المزارع البطارية بالسياج تنطلق صورته وهو يوصل البطارية نحو أينشتاين وتنطلق معها وبنفس السرعة الشحنة الكهربية من البطارية-الشحنة الكهربائية تملك نفس سرعة الضوء-....تسير صورة المزارع والشحنة الكهربائية معا وحين تصلان للبقرة الأولي تقفز تلك البقرة بسبب الصعقة الكهربائية فتنظم صورة البقرة إلى صورة المزارع والشحنة الكهربائية وعندما تصل الشحنة للبقرة الثانية تقفز وتنظم صورتها للمجموعة وعندما تصل هذه المجموعة إلى أينشتاين في نهاية المطاف يكون قد رأى البقرات تقفز جميعا و تزامنا من صورة توصيل المزارع للكهرباء.....بالنسبة للمزارع شيء مختلف يحدث له....
ما رآه أينشتاين يوضح نسبية الزمان فالبرغم من أن الأحداث كانت متزامنة بالنسبة لأينشتاين إلا أنها كانت متسلسلة بالنسبة للمزارع وهذا يعود إلى أن سرعة الضوء محدودة...


في حياتنا العادية وفي كثير من تطبيقاتنا ودراساتنا الفيزيائية لا تؤثر نسبية الزمان علينا ولكن عندما نتكلم عن قوانين الطبيعة بشكل عام وعندما نقارب الظواهر الطبيعية من وجهة نظر فلسفية يكون لنسبية الزمان اعتبار وتأثير.....

لا يتبادر إلى ذهنك أن سرعة الضوء نسبية فهي ليست كذلك......
أردت من موضوعي هذا إظهار كيف يمكن أن تظهر معاني وأفكار جديدة من ملاحظات عادية جدًا و أردت أيضاً أن أظهر جانب الملاحظة القوية والقوة العقلية لدى أينشتاين وهي التي أهلته لما وصل إليه....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق